الزواج
يتساءل كثير من الشباب حول مصيرهم بعد الزواج، هل سيكونون
رجالًا كما الرجال أم سيصبح الواحد منهم خروفًا لزوجه، أضحوكةً بين أصدقائه.
يخبرني أحد أصدقائي أنه دخل يومًا على عمه، ليتفاجأ بأن عمه
المختار في المطبخ يعد السلطة بينما تحرك زوجته الطعام في إناء الطهي. ينظر إلى
عمه المبتسم ولا يكاد يصدق ما ترى عيناه.
لعلّ صديقي لا يعلم بأن الرجل الرجل لا تغيره الظروف ولا يحط
من قدره صحن سلطة. إن كون عمه يساعد زوجته في إعداد الطعام يمثل مشاركة لها لا أكثر.
إنه يريد بذلك أن يعبر لها عن سعادته وامتنانه لا أكثر ولا أقل. هو يريد أن
يرافقها ويتغزل بها بحبة بندورة يقطعها بسكين تعجز يده عن إمساكها جيدًا في حين
تراقب عيناه عيناها. وليس من الغريب أن تشيط الطبخة ويجلس الزوجان يضحكان ليكون
عشاؤهم غداءً وتتحول الكبسة إلى فول وفلافل.
هذا هو الزواج. إنه لحظات جميلة نقضيها مع من نحب، احترام
وامتنان، ومشاعر دافئة خلاقة تبعث في المحبِّ روحَ الأمل ليبدأ العمل. إنه أن تبدأ
حياةٌ لشخصين كلٌّ منهما يجد في الآخر روحه وسكنه.
يكون الشاب قبل الزواج كسولًا، يهيم بالنوم ويكره العمل. يكره
النصيحة وكل من يقدمها إذ هي فلسفة وهو يكره الفلسفة. يعتقد أنه عاقلٌ وكل من حوله
مجرد أغبياء. يكره النظام ويحب أن يكون عشوائيًّا في كامل تفاصيل حياته. عزوبيته
له قهر حين تناديه النساء؛ هذه بالفستان الأحمر، وتلك بحذاء لا يليق مع البنطال
الأسود والبلوزة البيضاء. تحدثه نفسه "يعجبني الجاكيت، ينقصها شاب مثلي وتكون
تمام".
يهمه مظهره جدًا. هو أنيق ليراود حتى في أحلامه كل النساء.
وينطلق في واقعه يغمز الفتاة الأولى والثانية لتلقي الثالثة بكوب البراد في سلة
القمامة حين تسمعه يقول "ليتني كأسَ عصيرٍ بين يديكِ".
حياته مغامرة فهو يقامر بكلِّ شيء رغم خوفه من الخسارة. يغامر
أحيانًا بنفسه ليظهر لأصدقائه بأنه "حوت" في حين هو يعجز عن أن يكون
"بني آدم" في نظر أبيه. ولسان حال أمه يقول "قلبي على ولدي وقلب
ولدي عليّ حجر". هو لا يعلم أنها تعلم من يكون؛ يعتقد أنه سجين المنزل وأنها
سجينة أيضًا. فهي بنظره سجينة أبيه الذي يحرمه المصروف.
لقد تعلم الهرب منذ صغره، فظل يهرب من المنزل ويذهب إلى
أصدقائه ليتعلم السيجار شيئًا فشيئًا إلى أن أصبح "معلم". يستطيع هذا
الشاب المحنك أن يفعل ما لا يستطيع غيره أن يفعله. هو قادر على إخراج دخان سيجارة
واحدة من إحدى فتحات أنفه وعلى دفعة واحدة.
هذا الشاب الأنيق يفتقد إلى أناقة اللسان عندما يتعلق الأمر
به. إنه لا يقبل لأحد أن يحط من قدره أو ينعته بكلمات لا ترتقي إلى وصف الملوك. إنْ
سبَّ أباك فاصمت، فإنك إن لم تصمت، سمعته يسب أمك وأختك وجيرانك. لا تقل "ما
دخل جيراننا؟" لأنك في هذه الحالة تستفزه أكثر. اعذره فهو مجنون، وإن رددت
عليه فأنت أكبر مجنون.
أما عندما يجد توأم روحه وتبدأ أعباء حياته، يصبح هذا الشاب
شديدُ الكسلِ رجلَ المهمات الصعبة. إنه يصبح رجلًا يحمل عن زوجته ذلك التلفاز حتى
يتسنى لها أن تنظف من تحته الطاولة. يريد أن يبرز لها عضلاته، ويرقى في عينها أو
ليسمع منها كلمة "حبيبي".
هذا الإنسان الذي تعوّد النوم يصبح يقظًا يحب الحياة؛ يحب
حضوره في مجالس الرجال، يحب اجتماعاته بالآخرين، ويحب رحلاته وفسحاته. إن الشاب
الذي تعود يومًا أن يستمع لمن يتحدثون عن حُكمِ النساء يصبح أخًا، أبًا، زوجًا وعشيقًا.
يؤمن هذا الرجل بأن أفكار أيام الشباب كانت أفكارًا جاهلية
تمثل النقص الذي يعاني غيره منه. إن الشاب الذي تعوَّد أن يغازل الفتيات يصبحُ
الرجل الغيور الذي يغض طرفه عن نساء العالم خوفًا على زوجته التي يحب. يعرف هذه
الرجل قيمة أمه بعد سنين طويلة عاشها مع أبيه الذي تبين له مؤخرًا أنه كان صاحب
القلب الكبير. أبوه هو ذلك الذي حاول أن يجعل من ابنه ملكًا، فما كان من ابنه إلا
أن أساء الفهم واختار العيش في الظلام. يعلم هذا الرجل ما كانت تجنيه يداه. يعلم
أنه لم يعش الرجولة بين أصدقائه حين آثر السيجارة على الحياة.
كم من المعاني تغيرت في شاب بمجرد أنه تزوج، لقد أصبح الآن
رجلًا رجلًا، وعلى دربه يسير الرجال.
Like 5alooo estmr ^^
ReplyDelete